لن يمرّ مشهد اللقاء بين وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة ونظيره السوري وليد المعلم في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرور الكرام.
توقيت اللقاء وإن جاء متأخرا إلا أنّه يحمل في طياته كثيرا فيما يخصّ الملف السوري خاصة مع الغياب شبه التام للدور العربي في هذا الملف الشائك والمعّقد منذ 7 سنوات، على حساب تنامي الدور الإقليمي المتمثل بإيران وتركيا فهما تخططان وتنفذان ما تريدان على الأرض السورية دون الرجوع للسوريين حكومة ومعارضة.
لاشّك أنّ تعاظم الدور الإيراني والتركي سيمضي بسوريا إلى نقطة قد تكون الرجعة فيها إلى حضنها العربي أمرا صعبا للغاية، لذلك جاء اللقاء بين الوزيرين البحريني والسوري ليبحث على الأقل من الطرف البحريني إمكانية إيجاد حل يحقق تطلعات الشعب السوري ويحفظ للدولة هيبتها بعيدا عن التدخلات الإقليمية التي لن تخدم في توجهاتها السوريين ولا أشقاءهم العرب.
في الواقع ثمة الكثير من الأمور قادت إلى عقد هذا اللقاء وإن جاء على عجل، منها أنّ المنظومة العربية باتت تدرك أنّ ما ستطلبه من السوريين معارضة كانوا أو نظاما سيبقى أقلّ بكثير مما ستطلبه (إيران وتركيا) أيا كان المنتصر على الأرض في نهاية المطاف.
فطهران إن انتصرت دمشق على معارضيها لن ترضى بالقليل في بلد يوصف بأنّه قلب العروبة وستتمادى أذرعها من مليشيات طائفية أكثر بكثير مما هي عليه، خاصة وأنّ سياسيّيها وعلى رأسهم علي أكبر ولايتي مستشار مرشد إيران علي خامنئي والذين لا يلبثون يكررون أنّه لولا دعمهم لسقطت العاصمة السورية بيد من يصفونهم بالإرهابيين، وهذا ما استدعى ردا عنيفا من الصحف الحكومية على ولايتي في سابقة تشي بعدم رضا صناع القرار في سوريا عن عنجهية الإيراني.
بينما لن تقف تركيا عند حدّ معين إن انتصرت المعارضة وهذا ما لم يعد بمتناولها، وستقضم مزيدا من الأراضي السورية وستعمل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على أدلجة السوريين وفق منهجية حزب العدالة والتنمية المؤمن بمشروع الإخوان العابر للأوطان وحدودها، وهنا تكمن الطامة الكبرى حين تصبح مقاليد حكم السوريين بيد طويلة مشروعها العودة بالدول العربية إلى حكم الخلافة العثمانية وهذا ما تروج له الآلة الإعلامية المرافقة لأردوغان ومريديه من الشباب العربي المغرر به.
السؤال هل البحرين قادرة على قيادة جهود عربية تخلص سوريا من القبضتين الإيرانية والتركية؟
ثمة 3 عوامل تساعد المنامة على خوض هذه التجربة والوصول إلى الهدف المنشود؟
يتجلى العامل الأول في حاجة الدول العربية إلى تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة ومجابهة إيران ضمن حدودها وقذف كرة الاشتباك السياسي معها في ملعبها الذي طالما يرمي لاعبوه بحممهم البلدان العربية، زارعين التفرقة بين صفوف المجتمع على أساس طائفي ولعلّ التجربة العراقية خير نموذج حينما استقبلت الإمارات والسعودية أطرافا وفرقاء عراقيين كانوا إلى زمن قريب محسوبين على إيران، وعندما أدركت هذه الأطراف أنّه مرحب بها لدى أشقائها خلعت العباءة الإيرانية ولبست ثوبها العربي، وهذا يمكن تكراره مع أطراف مؤثرة داخل الحكومة السورية والتي تميل إلى رفض الهيمنة الإيرانية على الدولة على عكس ما كان زمن الرئيس السابق حافظ الأسد حين كانت الأخيرة ورقة يستفيد منها الأسد الأب حال اشتدت الضغوط الغربية عليه.
أما العامل الثاني يكمن في حاجة الروس إلى ظهير وسند عربي يشاطرهم رسم مستقبل سوريا بعيدا عن إيران وتركيا، اللتين وإن شاركتا بذلك إلا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القادم من خلفية مخابراتية يعرف تماما حساسية الشارع العربي للمشروعين الإيراني والتركي، لذلك يحتاج زعيم الكرملين إلى شريك من أهل البيت قادر على المساهمة في إعادة إعمار ما أتلفته الآلة العسكرية منذ دخولها الساحة قبل نحو 4 سنوات، يضاف إلى ذلك شرعنة الوجود العسكري الروسي على الأرض السورية ريثما تستعيد البلاد عافيتها مقابل طرد الإيرانيين والأتراك غير القادرين على المشاركة بإعادة الإعمار.
بالطبع استفادة الروس من الدول العربية لن تكون من دون مقابل، بل ستعمل الأخيرة على إقناع حكومة الأسد بالليونة أكثر تجاه الدول العربية خاصة فيما يخص إيران والكف عن دعم المليشيات والحركات التي تعمل وفق أجندة طهران.
العامل الثالث هو عدم الرضا على أداء المعارضة التي صرفت الدول العربية كثيرا للملمتها وتوحيد صفوفها من دون جدوى، من أجل تكوين جسم سياسي قادر على قيادة سوريا في المرحلة المقبلة.
الانقسام والتشظي الذي رافق المعارضة منذ نشأتها في 2011 أعطى صورة للعالم بأنّ النظام الحالي على عيوبه أقلّ ضررا على الدول العربية خاصة والعالم بشكل عام، من مجموعات متناحرة هنا وهناك يغلب على كثير منها الطابع الراديكالي التابع إلى جماعات تتجاوز الحدود السورية لتصل إلى القاعدة وتنظيم داعش المتطرف وغير ذلك.
بالطبع تدرك جميع الدول العربية أنّ الفوضى في سوريا تعني بالضرورة الفوضى في لبنان والأردن، وهذا ما سينعكس سلبا على المنطقة برمتها، لذلك تسير الجهود البحرينية باتجاه التعامل بواقعية أكثر مع مشهد عسكري في صالح القوات النظامية التي أيّد وزير الخارجية البحريني سعيها لبسط السيطرة على جميع أنحاء البلاد، ومن المتوقع أن تقابل جهود المنامة بخطوات إيجابية من دمشق الباحثة عن وضع نهاية للحرب التي دمرت البلاد.
العوامل الثلاثة السابقة يمكن لها المساهمة بشكل كبير في نجاح المساعي البحرينية نحو تخليص سوريا من الهيمنة الإقليمية بمساعدة روسيا، وتدوير عجلة الحلّ السياسي على صيغة لا غالب ولا مغلوب بحيث لا يخرج شكل الحل المستقبلي عن إطار إرضاء من خرجوا قبل نحو 7 سنوات ونصف السنة، مطالبين بحقوقهم في الحرية والعدالة، وهذا ما سيكون مدعوما دوليا من جميع الأطراف بمن فيها الولايات المتحدة الباحثة عن أمن إسرائيل في المنطقة قبل أي اعتبار آخر.
حسين الشيخ في صحيفة “العين” الاماراتية
https://al-ain.com/article/syria-bahrain-united-nations-meeting