الرئيسية » العالم والخليج » غزة : ولا زالت البالونات في سمائكم .. مقاومة

غزة : ولا زالت البالونات في سمائكم .. مقاومة

 

حينما تحدق عيناك في سماء بلدك، قد ترى نجومًا تلألأت، أو أثر طائرةٍ مرت بسلام، لكن الأمر يختلف لمن سكنّ غزّة فسماؤها امتلأت بالبالونات التي حملت في طيّاتها رسائل شعب يريد الحياة، أو بتلك الأعمدة المتصاعد بدخانها لحجب الرؤية عن ذلك الجندي الغدار، المتربص خلف تلاله الرملية.

وسط أحد الخيام المنتصبة ل”مسيرة العودة” على الحدود الشرقية  للسياج الأمني الفاصل بين غزّة و”إسرائيل”، كانت مجموعة مّمن ارتدوا لثام الكوفيّة منهمكين بروح رياضية وهم يجهزون البالونات، فلم يبق إلا القليل من الوقت للبدء بإطلاقها.

في تلك اللحظات المعدودة حاول مراسل “جورنال” الاندماج معهم لسرقة القليل من الوقت ومحاورتهم، فأقنع قائد المجموعة بالحديث معنا ورفض الإفصاح عن أسمه مكتفيا باسم “أبو يوسف”.

بإشارة يده التي أوحت لي بالعجالة قال: “جاءت فكرة إطلاق البالونات والأطباق الورقية بعد الأسبوع الأوّل من مسيرة العودة، حينما شعرنا بالهمجية التي يتبعها الجيش الإسرائيلي اتجاه المتظاهرين السلميين”.

 

وهنّا تجدر الإشارة إلى أنّ “مسيرة العودة” انطلقت في ذكرى الأرض يوم (30 مارس/اذار 2018  ) ولا زالت مستمرّة حتى يومنا.

وأضاف أبو يوسف: “أنّ الهدف من إطلاق تلك البالونات محاولة إيصال رسائلنا للعالم بأنّ سكان غزّة اشتد بهم ضنك المعيشة بفعل الحصار المفروض عليهم، وأنّ العودة لأراضينا التي هجرنا منها (عام 1948) حق لنا لا يمكن التنازل عنه بالتقادم الزمني”.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الحصار الإسرائيلي لا زال مفروضا على سكان غزّة بشتى مجالاته لأكثر من ( 12عامًا).

ويتابع أبو يوسف: “ازداد الجيش الإسرائيلي بالاستهداف للمتظاهرين، فاستوحينا طريقة محلية فاعليتها  مؤثرة من خلال إلحاق شعلة موقودة من اللهب بالبالون وإطلاق العنان لها نحو الأراضي المحتلة لتغزوهم لما يزيد عن (25 كم)”.

وعن آليّة العمل فسر لنا: إنّ المعادلة بسيطة جدًا بالون هوائي أو واق ذكري، بالإضافة لغاز الهيليوم، وثائر فلسطيني يعمل على كبح المعادلة من خلال ضخ الغاز بالحامل وإشعال الموقدة بطرف البالون.

وقبل أن يغادر تلك الخيمة؛ أجاب عن المصدر الداعم: “نجمع ما بجيبنا من نقود، ونعمل على شراء بالونات، والذهاب للورش الصناعية وجلب غاز الهيليوم المتبقي من بعض الأنابيب المستخدمة في الصناعات الحديدية أو غيرها، ندفع ثمنه لبعض التجار وآخرون رفضوا أي مقابل”.

الكلاكيت الإسرائيليانتفاضة الحجارة

على ما يبدو أنّ إسرائيل اعتبرت التعبير عن حالة الرفض للظلم والمطالبة بالحق وإن كانت بمقومات سلمية كالبالون أو أطباق ورقية جرمًا إرهابيًا، مستنسخة بذلك سيناريو (العام(1987 “انتفاضة الحجارة”، يوم أن اعتبرت حامل الحجر عدوًا يأخذ به حكم القتل والأسر، مثلما تعاملت أيضا مع من حمل البندقية، او من حمل سكاكين للمقاومة.

ميدانيًا، يوم الأحد في (15/7/  (2018أصدر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت) بعد اجتماع طارئ لقادة أجهزته، تعليماته لجيش الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة تطبيق سياسته الحالية في غزّة (قتل المتظاهرين)، والرد عسكريًا على كل من أطلق البالونات والطائرات الورقية الحارقة.

وابلغت اللجنة الرئاسية لتنسيق البضائع التابعة للإدارة العامة للمعابر والحدود الشركات في غزّة الخميس (26/5 /2018) بقرار الجانب الاسرائيلي والذي يقضي بضم (4 سلع)، وهي غاز الهليوم وكل المنتجات المطاطية القابلة للنفخ وبالونات الأطفال وإطارات السيارات، لقائمة الاستخدامات المزدوجة الممنوعة.

وحسب ما أفادتنا اللجنة الرئاسية فإنّ شركات غزّة لن تستطيع إدخال هذه السلع، إلا برفع طلب خاص يوجه لاقتصاد الاحتلال ومن ثم يتم فحص التاجر ونوع السلعة ومصدر السلعة عند المخابرات الاسرائيلية ومن ثم يتم ابلاغ التاجر بالرفض أو القبول.

 

بديل لغاز الهيليوم

على ما يبدو أنّ إسرائيل تناست أنّ الشبان المتظاهرين في “مسيرة العودة”، ابتكروا بديلًا لذلك، من خلال ما تعلموه في مدارس مخيماتهم الابتدائية، ففي أحد الزوايا المتنكرة خلف شجرة برية على حدود غزّة كان الشاب (م.خ) يعمل بمنتهى الدقة والحذر لتعبئة المادة الكيميائية (هيدروكسيد الصوديوم) داخل البالون (عازل ذكري) قبل أن يُحكم إلصاقه بفوهة الزجاجة البلاستيكية الممتلئة بالماء.

معادلة الملثم لم تنتهي بعد، _نراقب عن كثب_ حينما رفع أصبعه عن مدخل (العازل الذكري)، مولدًا كمية من الغاز الذي جعل البالون منتفخًا.

وبخيط ربطت الزجاجة بحجر الجوار منعًا من الطيران، فالغاز المتكون مشابه للهيليوم بخفته، “لا تمسك الزجاجة سيحترق جلد جسدك”، (كان يحذرني من اللمس)، فتساقطت المادة الكيميائية داخل الزجاجة، وسرعان ما تفاعلت مع الماء، ولبرهة من الزمن أخرج (م.خ) قطعة قماشية من جيبه وغمرها بمادة البنزين، ليكُون البالون رهن إشارة هذا الثائر.

وامسك الشاب بالبالون وخرج مترجلًا مطلقًا (الواقي الذكري) باتجاه الريح المواتية للحدود مع فلسطين المحتلة، ولا زال يراقبه حتى تيقن من انبعاثه نحو الأراضي المحتلة بعد أن ربط (عود بخور، أو عود كبريت) لإشعال الزجاجة الملتصقة بالواقي الذكري بعد طيرانها.

ومن الجدير ذكره أنّ إسرائيل لا زالت تضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط من خلال استمرارها بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين والمسعفين والصحافيين، بعد أن قتلت ما يزيد عن    155) مدنيا) في مسيرة العودة، وأصابت أكثر من الفين اخرين، وبوصف  التقارير الصحية فإنّ  600 إصابة مهددة بإعاقة دائمة، حسب ما ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية. https://journal-lb.com/article/2625

لكن البالونات لا زالت مستمرة.

 

غزّة-  عبد الله أبو كميل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن عبدالله بوكميل