الرئيسية » اراء ودراسات » تركي آل الشيخ .. سيف الرياضة “الأجرب”

تركي آل الشيخ .. سيف الرياضة “الأجرب”

الكويت – جهاد محمد

 

يقول الكاتب الاورغوياني إدوارد غاليانو في إحدى تعليقاته على  كتابه كرة القدم بين الشمس والظل : إنها لعبة الشياطين.

استفاق العالم على وقع المشهد المنتظر، جانب من رجل قصير القامة يساعد محمد بن نايف على ارتداء “البشت” وهو يبايع بصوت خافت محمد بن سلمان وليا للعهد، ذلك المنصب الذي كان يشغله الأول قبل أن يتم عزله بلحظات قليلة فقط. أعيد هذا المشهد عشرات المرات على شاشات التلفاز، استقطب الإعلام السعودي مختلف فعاليات المجتمع حينها للترويج لنظرية الانتقال السلس للسلطة كلما علقوا على ذلك المشهد، أحد من أولائك لم ينتبه إلى أن الشيطان كان يكمن في التفاصيل!

بخلاف أنه أحد أبناء عائلة أل الشيخ، الذراع الديني لأل سعود، العائلة المالكة في السعودية، ذاع صيت تركي كأحد كتاب الأغاني في الخليج بعد أن غنى له أبرز مطربي المنطقة. وكان قبل ذلك قد ترك بدلته العسكرية عن رتبة نقيب للعمل في القطاع المدني عبر مكتب إمارة منطقة الرياض التي كان يشغلها في ما مضى الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز. ولم يعرف في الأوساط المقربة منه بهذه الشخصية القوية التي يظهر بها الآن حتى عندما كان في السلك العسكري، فقد كان يميل أكثر إلى الهدوء، حتى أنه صار اكثر رومانسية عندما ذاع صيته في الوسط الفني. ويشاع أيضا أنه كان أحد كمؤسسي قناة “وناسة” الطربية برفقة الفنان راشد الماجد وآخرين.

عندما تولى سلمان بن عبدالعزيز الحكم في السعودية، ارتقى تركي أل الشيخ في مناصبه بعد أن عرف أنه أركان الحلقة الضيقة التي تحيط بنجله محمد. ولم يكن الوحيد بذلك الأمر فقد حدث هذا برفقة سعود القحطاني، عين أولا مستشار لوزير الدفاع، قبل أن يترقى إلى مستشار برتبة وزير في ديوان ولي العهد عندما تولى محمد بن سلمان المنصب.

ذلك الرجل الذي ظهر جزء منه فقط في مشهد عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف لم يكن سوى تركي أل الشيخ الذي  بات اليوم يستحوذ بكامل هيئته على الاعلام الرياضي السعودي، بل أن الأمر تعدى قطاع الرياضة عندما صار آل الشيخ معنيا بشكل أو بأخر باستمرار الأزمة الخليجية بين السعودية والامارات والبحرين مع قطر، مستخدما أدوات يألفها ككتابة الأغاني تارة، وأخرى بات مسيطرا عليها كمنصب مدير رعاية الشباب والرياضة عندما صار يقلل من شأن قطر كلما أتيحت له فرصة الحديث بأي محفل محلي كان أو دولي، كما حدث في الكلمة التي ألقاها لمناسبة إفتتاح بطولة العالم للشطرنج والتي استضافتها الرياض مؤخرا، وهو الأمر الذي ترك انطباعا سيئا عن استغلال الحركة الرياضية في الشأن السياسي وهذا ما يخالفه صراحة ميثاق اللجنة الاولمبية الدولية والمعني باستقلالية الحركة الرياضية.

لم يتوقف جماح آل الشيخ العدواني عند قطر وحسب، اذ وصل الأمر إلى مهاجمة الشيخ أحمد الفهد، ذاك الرجل الذي كان يجلس على بعد مقعدين فقط من الملك السعودي في نهائي الكأس الموسم الماضي عندما كان أل الشيخ متواريا في الصفوف الخلفية، وهو الأمر الذي فسره بعض المراقبين بأنه ليس سوى رسالة سياسية بقالب رياضي توجهها الرياض إلى الكويت نظير موقفها المحايد من الأزمة الخليجية، على الرغم من خلاف الفهد مع الحكومة الكويتية إلا أن مهاجمة أحد أقطاب الأسرة الحاكمة بما يتولاه من مناصب رياضية دولية تضعه في المرتبة الثانية على سلم ترتيب الرياضة العالمية، ما هي إلا رسالة مبطنة قد تكون وصلت إلى من يعنيه الأمر في الكويت.

منذ زمن ليس ببعيد، ذكر الصحافي البريطاني سايمون كوبر في كتابه الشهير “الكرة ضد العدو” أن الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط بما فيها الحكومة السعودية قد وجدت في كرة القدم متنفسا يغني شعوبها عن التطرق للشأن السياسي في البلاد. ففي السعودية تكاد تكون كرة القدم هي الشأن الوحيد الذي يسمح فيه الانتقاد أو المطالبة بالاستقالة، حتى أن بعض أفراد العائلة المالكة وجدوا أنفسهم عرضة لانتقادات علينه في مشهد غير مألوف، كرئيس رعاية الشباب السابق سلطان بن فهد وهو نجل الملك الاسبق فهد بن عبدالعزيز، والذي أعفي من منصبه على خلفية توبيخه على الهواء مباشرة لعدد من النقاد الرياضيين بسبب خروج المنتخب السعودي من إحدى بطولات كرة القدم، وقد لاقى تصرفه هذا سخطا كبيرا في الوسط الرياضي السعودي، وطالت بن فهد انتقادات ربما لم يطالها علانية أي من أفراد العائلة المالكة قبل ذلك.

المشهد الآن يبدو مختلفا، يروج تركي آل الشيخ عن نفسه بأنه يعمل بتعليمات ومباركة ولي العهد محمد بن سلمان، الأمر الذي يعطي قراراته حصانة تفوق منصبه حتى انه أقال رؤساء اندية وعين أخرين، وحل اتحادات رياضية منتخبة، وهو الأمر الذي أدخله في بداية صدام مع المنظمات الرياضية الدولية التي استفسرت عن مثل هذه الخطوات وهو ما قد يكون خطوة أولى قبل اتخاذ إجراءات قد تطال الرياضة السعودية، حتى انه أعفى مؤخرا الامير عبدالله بن سعود من رئاسة اتحاد الرياضات البحرية بعد وقت قصير على تعينيه وذلك على خلفية احداث اعتقال امراء من ابناء عمومته اعتصموا في قصر الحكم مؤخرا.

آل الشيخ الذي لا يعرف بثراء فاحش ويقدم تبرعات مالية ضخمة كمليوني جنيه مصري للنادي الأهلي لمناسبة فوزه بكأس السوبر، أو قبل ذلك بتوقيع عقد لبناء ملعب للنادي ذاته بتكلفة تصل لملايين الدولارات، ينفي انها من المال الحكومي، لكن من دون أن يجرؤ أحد على انتقاده علانية سوى على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ذهب الأمر بعيدا لبعض المغردين بأن نشروا بعض تفاصيل حياته الخاصة، كرواية زواجه من الفنانة المصرية أمال ماهر التي تقول مصادر انه تستخدم طائرة خاصة في تنقلها بين القاهرة والرياض.

“ما هو إلا سيف بن سلمان الأجرب في الرياضة” هكذا يختصر أحدهم حديثه عن تركي أل الشيخ، ذلك الذي ظهر جزء منه فقط في عملية “الانتقال السلس” للسلطة ما هو إلا “شيطان” كرة القدم الذي كان يكمن في تفاصيل المشهد.

 

 

 

 

 

 

عن جورنال