بيروت – “جورنال”
غريب كيف ان “الايرانوفوبيا” ظلت تتحكم بسياسات بعض الدول الخليجية. في عز الخراب العراقي والكويتي في العام 1991، وفيما كانت الامة تدفع من دماء أبنائها وخيراتها بفعل جريمة غزو الكويت وما استتبعها من جرائم ودمار وقلق وانقسامات في جسد الوطن الواسع، كان الخوف من ايران حاضرا!
في وثيقة من وثائق الحكومة البريطانية التي رفعت عنها السرية مؤخرا، من الأرشيف الوطني البريطاني، ومؤرخة في السابع من اذار 1991، أي بعيد تحرير الكويت مباشرة كانت السعودية توجه الأنظار نحو التدخلات الإيرانية، ودور الإيراني المحتمل في العراق. في ذلك الوقت كان مئات الاف الجنود الغربيين والعرب ما زالوا في طور تطويق ذيول الحرب مع العراق، وكانت ابار النفط الكويتية المحترقة ما تزال تلتهب نيرانها نحو السماء، وكان صحراء الكويت والعراق لم تجف رمالها من دماء الكويتيين والعراقيين وغيرهم بعد.
في ثنايا الوثيقة، ستلاحظ القلق من ايران يتكرر مرات. رغبة في التخلص نهائيا من صدام حسين، بانقلاب او المنفى. هناك حاجة لدور سوريا ومصر لضمان امن الخليج في ما بعد انتهاء الغزو العراقي. وفي الوقت نفسه، دعوة لابقاء العيون مفتوحة على سوريا.
ففي برقية بريطانية نشرتها صحيفة “القبس” الكويتية، كتب السفير البريطاني في السعودية السير آلان مونرو مذكرة إلى وزارة الخارجية وبعثات بريطانية أخرى يشرح فيها بالتفصيل فحوى المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء جون ميجور مع القادة السعوديين. وجاء في التقرير ما يأتي:
لم يطرح الملك فهد أفكاراً في شأن طريقة المحافظة على الأمن أو مستقبل حماية الكويت ودول عربية أخرى، على رغم الاعلان الذي صدر في ذلك اليوم عن اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسوريا في إطار “إعلان دمشق” الذي يحدد الأسس من أجل ترتيبات دفاعية مشتركة. لكن وزير البترول (السعودي) عبر عن الرضى عما تحقق في هذا الخصوص مع إشارته إلى ضرورة ابقاء العين مفتوحة على سوريا. من جانبه، علّق الملك فهد في شكل ملح على احتمال حصول انتكاسة مع ايران. قال انه يرى احتمالا أن يشعر الايرانيون بإغراء لاستغلال الاضطراب الحالي الذي يقوم به الشيعة في جنوب العراق. من المهم جداً ان نشارك في ثني الايرانيين عن التدخل. ومن هذا المنطلق، تكمن أهمية العمل من أجل إقامة نظام جديد من الوحدة الوطنية في العراق. وإلا فإن التهديد الذي كان صدام يشكله ضد السعودية سيحل محله التهديد القديم من ايران الشيعية. تعمل المملكة العربية السعودية على اعادة العلاقات مع ايران وقد حققت بعض التقدم. ولكن ذلك سيكون مشروطاً بألا تتدخل ايران في العراق. ما زالت هناك تيارات في إيران تواصل فيها العناصر الدينية (المتشددة) اضمار نيات عدائية لا تتوافق مع الإسلام ولا مع استقرار المنطقة. (الرئيس هاشمي) رفسنجاني ربما لا يملك السلطة كلها. طلب الملك أن نوجه نحن، مع الأميركيين، تحذيّراً لإيران من التدخل في العراق. لقد حصل (الملك) على تقارير، ربما تكون مضخمة، تفيد ان المنفيين العراقيين الذين يقاتلون في التمرد (ضد صدام) في البصرة يضمون في صفوفهم قوات ايرانية.
تشير الوثيقة أيضا الى “توقف رئيس الوزراء (ميجور) في المملكة العربية السعودية في 6 مارس لزيارة القوات البريطانية في الكويت والظهران. أجرى محادثات مع الملك فهد في مساء ذلك اليوم، حيث عبّر الملك بحرارة عن عميق امتنانه للمساهمة العسكرية البريطانية، وأبدى تعهداً واضحاً بتقديم مساهمة مالية لتغطية تكاليف (نشر) القوات البريطانية، وأشار الى فصل جديد من التعاون بيننا، لا سيما في الجانب الدفاعي. كان واضحاً مدى الانشغال السعودي بالعلامات على ظهور تدخل سياسي إيراني لمصلحة الشيعة في خصوص الاضطرابات التي تحصل حالياً في العراق. هناك قلق من الأهداف الإيرانية واحتمال تجدد التهديد للسعودية. بالتوازي، هناك ميل (سعودي) للتقليل من معاقبة العراق، ولكن صدام (في رأي السعوديين) يجب أن يرحل، سواء بانقلاب أو حتى بالرحيل إلى المنفى. يجب أن تحل محله حكومة وحدة وطنية. طُلب منا أن نشترك مع السعوديين في جهود تحذير الإيرانيين”.